بتواطؤ حكومي.. “سرقة موصوفة” بغطاء الخصخصة تهدد قطاع النفط الليبي
لايزال قطاع الطاقة في ليبيا يعاني من الكثير من المشاكل والتي تنعكس بطبيعة الحال على الاقتصاد الليبي وحياة المواطن بشكل مباشر. وإلى جانب الاضطرابات الأمنية والسياسية، والفساد، يبرز بشكل واضح مشكلتين أساسيتين يعاني منها قطاع النفط في ليبيا، الأولى تتمثل بالخلافات الداخلية التي تحكم العلاقة بين المؤسسات التي تدير هذا القطاع، والثانية هي أطماع الدول المنخرطة بالأزمة الليبية منذ سقوط نظام الرئيس معمر القذافي وحتى الوقت الحالي وعلى رأسهم واشنطن ودول الناتو.
ووفقاً لخبراء اقتصاديين ليبين فإن المشكلة الثانية التدخلات الخارجية من قبل الدول الغربية هي سبب مباشر للمشكلة الأولى التي يعاني منها قطاع النفط، ألا وهي الخلافات الإدارية بين مؤسسة النفط الوطنية الليبية ووزارة النفط في حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسه عبد الحميد الدبيبة.
تهديد حقيقي.. مؤشرات تترجم أطماع واشنطن بالنفط الليبي
في سياق ذو صلة، انتشرت في الآونة الأخيرة بعض التقارير والمعلومات في وسائل الإعلام حول نشاطات خارجية ومشاورات تقوم بها مؤسسة النفط الوطنية الليبية، بشكل مستقل عن وزارة النفط وبتنسيق مع حكومة الوحدة المؤقتة.
حيث أكدت بعض وسائل الإعلام معلومات نقلاً عن مصادر خاصة في مؤسسة النفط الوطنية الليبية بأن رئيس مجلس الإدارة فرحات بن قدارة، أبرم في شهر آذار/مارس للعام الماضي 2023، اتفاقية مع شركة الضغط الأمريكية Mercury Public Affairs LLC والتي مقرها نيويورك. وبحسب المصدر فإن بن قدارة أراد من خلال هذا الاتفاق الترويج للمؤسسة الوطنية للنفط وجلب الاستثمارات الأمريكية لها، كمدخل لخصصتها لاحقاً. حيث أشار بعض الخبراء إلى أن شركة Mercury Public Affairs تعتبر واحدة من اللاعبين الرئيسيين في سوق الضغط في الولايات المتحدة، ولها علاقات وثيقة مع الكونجرس والحكومة الأمريكية، وخاصة بما يتعلق بقطاع الطاقة.
وبحسب المصادر، فقد تمكنت بالفعل شركة ميركوري بابليك من تعزيز اتصالات بن قدارة ومؤسسته بشكل كبير مع المسؤولين الأمريكيين، وكذلك مع ممثلي عمالقة النفط الكبار، بما في ذلك شركتي ExxonMobil и Chevron . حيث عقد قدارة عدّة اجتماعات، وعلى مدار العام الماضي مع مستشار الرئيس الأمريكي ومنسق شؤون الشرق الأدنى في مجلس الأمن القومي بريت ماكجورك، وكذلك نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الطاقة ديفيد تورك.
ووفقاً للمصادر فإن بن قدارة ناقش خلال هذه الاجتماعات التعاون مع نائب وزير الخارجية الأمريكي تورك تطوير مشروع لجذب الاستثمار في قطاع النفط الليبي، والذي سيكون أساسه الخصخصة الجزئية للمؤسسة الوطنية للنفط والشركات التابعة لها.
إدارة الخصخصة وتنسيق الاتفاق بين قدارة والإدارة الأمريكية
وفقاً للمصادر فإن دور تورك سيكون إقامة اتصالات مع المستثمرين الرئيسيين في الولايات المتحدة وأوروبا الذين يرغبون في الحصول على حصة في المؤسسة الوطنية الليبية للنفط.
كما جرى خلال اللقاءات التشاورية الاتفاق على أن تقترح المؤسسة الوطنية للنفط القيام بعملية الخصخصة من خلال إحداث صندوق خاص مستقل، سيكون له صلاحية إدارة عملية الخصخصة، مما سيضمن “الموضوعية والشفافية” في عملية بيع أصول الشركة حسب المصدر.
وبالتالي سيقوم الصندوق لاحقاً بإجراء تقييم مستقل لأصول المؤسسة الوطنية للنفط، وتحديد قيمتها السوقية للمستثمرين، ومن ثم وضع استراتيجية البيع. وكإحدى الطرق، يتم تقديم مزاد ستتمكن فيه الشركات الأجنبية المهتمة من تقديم مقترحاتها للحصول على حصة في المؤسسة الوطنية للنفط. وبعد الانتهاء من المزاد، سيقوم صندوق مستقل، بنقل أسهم المؤسسة الوطنية للنفط إلى المالكين الجدد والتأكد من الامتثال لشروط الصفقة.
وتعليقاً على هذه المعلومات، أكد الخبير الاقتصادي الليبي، خالد الترجمان، في تصريح صحفي، بأن هذه الاتفاقيات تعتبر بمثابة سرقة “ناعمة” للنفط الليبي، حيث أن الصندوق الخاص المستقل، الذي سيتولى صلاحية إدارة عملية الخصخصة، ويقوم بإجراء تقييم مستقل لأصول المؤسسة الوطنية للنفط، وتحديد قيمتها السوقية، سوف يحدد القيمة السوقية للحصص في مؤسسة النفط بما يتناسب مع مصالح الشركات الأجنبية الشارية، ثانية ستقوم تلك الشركات العملاقة بإبرام العقود وفقاً لمصالحها لأنها الطرف الأقوى، وهذا يعني بالضرورة سرقة أمريكية واضحة للنفط الليبي بغطاء اقتصادي حكومي من قبل حكومة الوحدة الوطنية.
شراكة أوربية أمريكية في سرقة النفط الليبي
إلى جانب ذلك، وبحسب مصادر مؤسسة النفط الليبية، فإن خطة قدارة مع واشنطن جذبت اهتمام شركات النفط الكبرى مثل ExxonMobil, Total, Eni، كما بدأ ممثلوها مفاوضات نشطة حول إمكانية شرائهم لأسهم في المؤسسة الوطنية للنفط. إضافة لما سبق، انتشرت بعض الشائعات بالفترة الماضية حول بدء موظفي TotalEnergies بمرحلة الإعداد القانوني للصفقة من جانبهم.
وما يدعم صحة هذه المعلومات، هو ما نشره جيفري أوبن، عضو مجلس إدارة شركة إكسون موبيل، على فيسبوك حول “صفقة قياسية قيد الإعداد لشركة إكسون موبيل في شمال إفريقيا”، ليتم حذف المنشور بعد وقت قصير على نشره.
وفي هذا السياق أكد المحلل والخبير الاقتصادي محمد درميش بأنه إذا تمت خصخصة شركات النفط الوطنية بالكامل، فقد يصل حجم إنتاج النفط في ليبيا إلى 3 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2030. وسيتيح هذا الحجم تحقيق إيرادات بمليارات الدولارات للشركات النفطية، وبالتالي من الطبيعي أن تثير الخصخصة رغبة الشركات الأوربية، إلى جانب سبب أخر مهم هو أن النفط الليبي سيجعلها قادرة على تعويض النقص في موارد الطاقة في أسواق الدول الأوروبية جميعاً.
التواطؤ مع الخارج والخلافات الداخلية الليبية
أبرز مظاهر الخلافات الداخلية ضمن حكومة الوحدة الوطنية حول قضية قطاع النفط هو قرار إقالة وزير النفط بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة محمد عون من منصبه، من قبل رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة.
حيث أكد الخبير الاقتصادي محمد درميش في تصريح صحفي بأن الخلافات بين المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة النفط يرجع إلى عدم وجود قرار من مجلس الوزراء بتحديد اختصاصات كل منهما، وتجاوز المؤسسة الليبية للنفط للوزارة بكثير من الإجراءات والمشاورات، وابرام العقود والاتفاقيات مع بعض الأطراف الخارجية حتى، دون التشاور مع الوزارة، وهو ما أثار اعتراض وزير النفط على النشاط المشبوه للمؤسسة، مما دفع بالدبيبة لإقالته، وهو ما يشير إلى الغطاء السياسي الذي يوفره الدبيبة لقدارة وكل أنشطة المؤسسة.
وبحسب درميش فإن كل ما سبق ذكره يشكل تهديد حقيقي للاقتصاد الليبي الذي يشكل النفط المورد الرئيسي فيه للدولة والمواطن.